أهم الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بهذه الأدوات هو تطور النظام المالي ومؤسساته، وأنظمته وحوكمتها، والتطور التقني الذي ساهم في سرعة وصول الواقفين إلى هذه الأدوات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الصناديق الاستثمارية الوقفية
بقلم أ. سلطان الهويمل
منذ الوقف الأول في الإسلام، والوقف لم يقتصر على شكل واحد، فقد أوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة، وأوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرضا بخيبر، ومازالت صور وأشكال الوقف تتعدد إلى يومنا هذا. ويرجع هذا التعدد إلى اختلاف الاحتياجات على مر العصور، وكذلك تطور أشكال الأصول القابلة للوقف.
وفي عصرنا الحالي، برز النقد والأدوات المالية كأحد الأصول التي تم العناية بها من قبل المختصين وبحثها ودراستها، وكذلك من قبل الجهات التشريعية، وذلك بوضع الضوابط والأطر التي تحكم العمل بها. ولعل أهم الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بهذه الأدوات هو تطور النظام المالي ومؤسساته، وأنظمته وحوكمتها، والتطور التقني الذي ساهم في سرعة وصول الواقفين إلى هذه الأدوات.
ويأتي الحديث هنا عن الصناديق الاستثمارية الوقفية، والتي نشأت نتيجة إلى نضج تجربة الصناديق الاستثمارية ووضوح اللوائح والأنظمة الحاكمة لها. وانطلاقاً من ذلك، تم التعاون بين هيئة السوق المالية – كجهةٌ مرخصةٌ لمدراء الصناديق ومراقبةٌ لأدائهم – والهيئة العامة للأوقاف – كجهةٌ منظمةٌ لقطاع الأوقاف ومراقبةٌ لأداء النظار – في إطلاق منتج الصناديق الاستثمارية الوقفية في أواخر ٢٠١٨م.
” أهم مزايا الصناديق أنها تدار من جهات مرخصة للقيام بالأعمال الاستثمارية، والإجراءات المتبعة لإدارة الاستثمار تخضع لأعلى درجات الحوكمة والشفافية، وتُراقَب من هيئة السوق المالية والهيئة العامة للأوقاف”
ولا تختلف تنظيمات الصناديق الاستثمارية الوقفية عن غيرها من الصناديق التي ترخص من هيئة السوق المالية، إلا بإضافة بعض التعليمات الخاصة بالواقف (المشترك في الصندوق)، والجهة المستفيدة (الموقوف عليه)، والوحدات الاستثمارية الوقفية (الوقف)، ومدير الصندوق (ناظر الوقف)، وكذلك أدوار الهيئة العامة للأوقاف كجهة مشرفة ومراقبة على النظار وأعمالهم. وقد تم نشر ذلك في “تعليمات الترخيص للصناديق الاستثمارية الوقفية” الصادر من الهيئة العامة للأوقاف.
ويُعرَّف الصندوق الاستثماري الوقفي بأنه وعاء استثماري ليس له مدة محددة، وجميع وحداته موقوفة لا يجوز تداولها، وتستثمر أموال الصندوق في أوجه الاستثمار المختلفة لتوفير عائد دوري يصرف على الجهة المستفيدة.
ومن أهم مزايا الصناديق أنها تدار من جهات مرخصة للقيام بالأعمال الاستثمارية، والإجراءات المتبعة لإدارة الاستثمار تخضع لأعلى درجات الحوكمة والشفافية، وتُراقَب من هيئة السوق المالية والهيئة العامة للأوقاف، كما أنها تتيح مشاركة عموم فئات المجتمع في هذا الوقف.
وقد وصل عدد الجهات المستفيدة في هذه الصناديق إلى أكثر من 80 جهة تمثل مختلف الاحتياجات المجتمعية، وعلى سبيل المثال: الجهات المتخصصة لخدمة ضيوف الرحمن، والعناية بالمساجد، ورعاية الأيتام، وتقديم الخدمات الصحية … وغيرها. وبلغت الأصول الوقفية لهذه الصناديق لغاية نهاية 2023 أكثر من 850 مليون ريال تحقق متوسط عوائد سنوية بقيمة 40 مليون ريال.
وتستطيع الجهات غير الربحية الاشتراك في هذه الصناديق من خلال تأسيس صندوق استثماري منفرد، أو الاشتراك مع جهات في نفس القطاع أو المنطقة، أو المشاركة في صناديق Mega Funds. وفي كل مسار من هذه المسارات هناك اشتراطات ومتطلبات للتأسيس والاشتراك. كما يمكن للجهات المستفيدة في هذه الصناديق استخدام منصات التمويل الجماعي الوطنية، كمنصة وقفي ومنصة إحسان لحشد الموارد المالية لهذه الصناديق.
وختاماً، فإن هذا الصورة من صور الوقف (الصناديق الاستثمارية الوقفية) تساعد الجهات المستفيدة على التركيز في تقديم خدماتها إلى الفئة المستهدفة، وإعطاء مسؤولية الاستثمار إلى مؤسسات مالية ذات خبرة وكفاءة، الأمر الذي ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للفئات المستهدفة، ويحقق مستويات أعلى في الاستدامة المالية. وكذلك ييُعزز من ثقة الواقفين في المساهمة في هذه الصناديق لما تحتوي عليه من شفافية وحوكمة عالية.