هذا النوع من الأوقاف سيكون سببا في تعظيم أثرها؛ فإن ذلك سيكون بعد توفيق الله من أكبر مقومات النجاح لفكرة الأوقاف الموحدة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأوقاف الموحدة
بقلم المهندس عبد العزيز بن عبد الله بونيس
تشهد بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية نهضة شاملة في قطاعات مختلفة وعلى مستويات متعددة، وقطاع الأوقاف أحد تلك القطاعات التي أولتها القيادة اهتماما وتمكينا، انعكس ذلك على شكل حراك مميز نوعي وانتشار لفكرة الأوقاف بين أوساط الناس، فبات من اللازم في ظل هذه النهضة المباركة أن يتوجه المتخصصون في الأوقاف إلى ابتكار الحلول والمنتجات التي تساعد الأوقاف في تحقيق مزيد من النمو والازدهار لينتج عنهما مزيد من المنح وتحقيق الأثر.
إن من أكثر ما يؤرق نظار الأوقاف وخصوصا الصغيرة منها: مشكلة ضعف الريع مع عدم القدرة على استغلال الفرص المتاحة لاستثمار أموال الأوقاف أو نقل أصولها إلى أصول ذات ريع أكبر، مما جعل كثيرا من الأفراد والجهات الراغبة في الوقف يؤمنون بفكرة تأسيس أوقاف كبيرة لمعالجة هذا الإشكال ولكنهم اصطدموا بارتفاع كلفة تأسيس وإدارة هذا النوع من الأوقاف.
تأتي الأوقاف الموحدة لتعالج هاتين المشكلتين وغيرها من المشاكل التي تُعاني منها الأوقاف. ونقصد بالأوقاف الموحدة: هي تلك الأوقاف التي جُمعت أصولها في أصل واحد أو جُمعت مصارفها في مصرف واحد؛ رغبة في الوصول إلى نمو عالٍ لهذه الأصول وريعها، وتحقيق أثر أعمق لما يُنفق على مصارفها. وإذا أردنا أن نفهم الأوقاف الموحدة بشكل أكبر فلابد أن نستحضر النظر إليها من زوايا مختلفة. فيمكن أن ننظر إليها من زاوية الوقف ذاته: فمن حيث تعدد أنواع الأوقاف: لدينا أوقاف موحدةٌ ذات نوع واحد، وأوقاف موحدةٌ متعددةُ النوع. كما يمكن أن نعيد النظر إليها باعتبار الواقف: فمن حيث تفرد وتعدد الواقفين: لدينا أوقاف موحدةٌ لواقف واحد، وأوقاف موحدةٌ لأكثر من واقف. وآخر زوايا النظر هي تلك ينظر منها للموقوف عليهم: فلدينا أوقاف موحدةٌ ذات جهة واحدة، وأوقاف موحدةٌ متعددةُ الجهات.
” المكاسب الكبرى للأوقاف الموحدة هو فتح الآفاق والفرص الاستثمارية أمام الأوقاف بعد توحدها، وتحقيق أثر مجتمعي وتنموي أكبر، وكل ذلك يعود على الهدف الرئيس الذي من أجله وجد الوقف وهو استدامة النفع والأجر بإذن الله. “
ومن المكاسب التي يُرجى تحققها عند تطبيق الأوقاف الموحدة رفع قيمة الأصول الوقفية بعد توحدها، وهذا مشاهد معلوم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: الأوقاف التي صارت من ضمن المساهمين في تأسيس شركة جبل عمر بمكة، كما أن الأوقاف القائمة اليوم والتي تشترك في مصارفها يسهم الوقف الموحد في خفض تكاليف الإدارة والتشغيل والصيانة عليها، وكما يسهم في تعزيز قدرتها على استقطاب الكفاءات التي تسهم مساهمة حقيقية في رفع قيمة الأصول والريع لهذه الأوقاف، كما أن من المكاسب الكبرى للأوقاف الموحدة هو فتح الآفاق والفرص الاستثمارية أمام الأوقاف بعد توحدها، وتحقيق أثر مجتمعي وتنموي أكبر، وكل ذلك يعود على الهدف الرئيس الذي من أجله وجد الوقف وهو استدامة النفع والأجر بإذن الله.
ومن الضوابط التي يجب استصحابها عند تطبيق فكرة الأوقاف الموحدة حتى نضمن سلامة التطبيق وتحقيق النفع المرجو هي: أن تكون هذه الأوقاف الموحدة قائمةً بإذن الحاكم الشرعي، وأن تحقق المصلحة الشرعية الظاهرة، وأن يتم المحافظة فيها على مقاصد الوقف. كما لابد أن يستعان فيها بأهل الخبرة والاختصاص، وأن يُراعى فيها الموازنة الدقيقة بين المخاطر والأرباح. فإذا ما رُوعيت هذه الضوابط مع استحضار أن القائم على تأسيس هذا النوع من الأوقاف سيكون سببا في تعظيم أثرها؛ فإن ذلك سيكون بعد توفيق الله من أكبر مقومات النجاح لفكرة الأوقاف الموحدة.
” لتكون أوقافنا متينة في أصولها، مستدامة في ريعها. “
ومن هذ المقام أوجه دعوة صادقة للهيئة العامة للأوقاف ووزارة العدل إلى تبني فكرة الأوقاف الموحدة وابتكار المنتجات التي تخدمها وعقد الشراكات مع الجهات ذات العلاقة لتذليل الصعوبات المتعلقة بتنفيذها، وتسهيل إجراءات انتقال الأوقاف المتفرقة لنموذج الأوقاف الموحدة. كما لا يفوتني أن أدعو الشرعيين والقانونيين المتخصصين في الأوقاف إلى ابتكار صيغ وقفية بنماذج مختلفة للأوقاف الموحدة وإيجاد الحلول النظامية لاندماج الأوقاف في نموذج الوقف الموحد. ولا أنس بيوت الخبرة واللجان الوقفية والجمعيات الوقفية من دعوتهم إلى التوعية بفكرة الأوقاف الموحدة وتحفيز الأوقاف والجمعيات الأهلية إلى تبني نماذج الأوقاف الموحدة والمشاركة فيها. وختاما أدعو الجمعيات الأهلية في كل منطقة إدارية أو ذات التخصص الواحد إلى توحيد أوقافها القائمة أو إنشاء أوقاف موحدة فيما بينها. لتكون أوقافنا متينة في أصولها، مستدامة في ريعها. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.