الوصية أم الوقف؟

فيسبوك
تويتر
واتساب

د. أسامة بن علي الغانم

متخصص في تطوير الأعمال في القطاع غير الربحي والمستشار في الأوقاف والوصايا

أوقفتُ عملي، واستدرتُ نحو قلمي لأكتب هذه الأسطر؛ لأن الضرورة الفكرية ألجأتني لتدوين الكلمات، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

العملُ الذي أوقفته كان أيضاً سبباً في جذوة هذا المقال؛ إذ كنت أدرس وثيقة وصية وردتني فيها نزاع وشقاق، وهي الثالثة التي تصلني خلال هذا الأسبوع من الجلسات الاستشارية الوقفية.

 والأسئلةُ المبدوء بها: لماذا يلجأ المحسنون إلى الوصية دون الوقف؟ أليست لهم رغبة في البحث عن الأجر الأعظم، والثواب الأدوم؟ ألم يدفعهم الحثّ النبوي على الوصية بكتابتها وإثباتها؟ أوَلَهُم رغبة في نفع ذريتهم، وصلة رحمهم، وامتداد أجرهم بعد موتهم في ميادين البر والإحسان المتنوعة؟

والجواب على كل تلك الأسئلة وغيرها: بلى، ولو تكلم أموات المُوْصِين لصاحوا بها!

لا شك أن الوصية لها فضل عظيم لا يخفى، ولكن الوقف أفضل منها، وأجدر بتحقيق جميع ما في نفس الموصي وأكثر، فالوقف فيه اتباع لسنة النبي ﷺ وأصحابه -رضي الله عنهم-، فمن نظر في سيرهم وجد أن الوقف حاضراً في حياتهم، وظاهراً في مسيرة أعمارهم مقارنة بالوصية.

كما أن الوقف في حياة المرء فيه مسارعة لرضا الله تعالى، ومسابقة للخير، وفيه مجاهدة للنفس على الإحسان رغم طلبها الشح والرغبة في المال، أو تقلّب الحال والمآل؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: “أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان”، بل قد يكون ذلك سبباً في إعانته على بعض أموره، فقد أوقف أنس بن مالك -رضي الله عنه- داراً له في المدينة، وكان إذا حج مرَّ بها ونزل فيها.

ومن خصائص الوقف دون الوصية ثماره المحصّلة مباشرة؛ إذ إنه يبدأ من وقت وقفه وليس بعد مماته؛ فيكون أعظم لأجره، وأنفع لخلق الله تعالى بأوجه البر المتنوعة المباركة؛ ليعود على واقفه بالسعادة والبهجة بشهود آثار بذله وإحسانه.

ولا يخفى أن اهتمام الواقف بوقفه حال حياته أدعى للاستدامة، والاهتمام، والمحافظة، وأبعد عن الإهمال، والتعثر والتعطل، أو النزاع والشقاق الحاصل بكثرة في الوصايا وما يلحق بها، فقد أثبتت الدراسات في الأوقاف المستدامة أن من أسباب استدامة الأوقاف واستمرارها، ونمو بركتها وثمرتها -بعد توفيق الله تعالى-= قيام الواقف بنفسه على وقفه، واهتمامه به.

ومن جواب الحكيم ما ورد في سيرة العلامة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- أنه جاءه رجل فسأله: أيهما أفضل: الوقف، أو الوصية؟ فقال له الشيخ: أيهما أفضل إذا أردت أن تسافر: أن تحمل زادك معك، أو تقول لأبنائك اتبعوني بالزاد؟ قال: بل الأفضل أن أحمله معي، فقال: إذن فالوقف في الحياة أفضل.

 هذا مَعْلَم الجواب عن الأسئلة!