الشركات غير الربحية وعلاقتها بالأوقاف

فيسبوك
تويتر
واتساب

د. عمر زهير حافظ

ناظر وقف سبل الخير - جده

ما هي العلاقة بين الوقف والشركة غير الربحية؟ سؤال يفرض نفسه أمام مسألة الاختيار بين مبدأ الوقف، أو الشركة غير الربحية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الشركات غير الربحية وعلاقتها بالأوقاف

بقلم د. عمر زهير حافظ

يحفل القطاع الخيري في المملكة بالعديد من الأشكال الشرعية والنظامية التي يمكن تسجيلها، ومن أهمها الوقف، وهو أقدم هذه الصيغ، وأحدثها الشركات غير الربحية. وقد تباينت وجهات النظر من قبل العاملين في القطاع الخيري حول أي الأشكال التنظيمية يعتبر الأمثل لكي يحتضن ما يرغبون في تقديمه للمجتمع والناس من الأعمال الخيرية. وفيما يلي مقارنة تعريفية بين الوقف والشركة غير الربحية:

الوقف: شخصية اعتبارية مستقلة، تنشأ من وقف الأموال الخاصة أو العامة، نقدا أو عينا، ونقل ملكيتها إلى حكم ملك الله تعالى، على سبيل التأبيد، ومنعها عن البيع والهبة والتوريث، وتسبيل منافعها وثمارها لوجه الله تعالى لحاجات الناس من القربى وغيرهم، مع تعيين نظارة أو إدارة لهذه الشخصية، تقوم بحمايتها ورعايتها وتنمينها، وضبط مصارفها المحددة من قبل الواقف، ويمارس القضاء الشرعي حق الإثبات والتعديل على وضع الأصول الموقوفة، وإدارتها حفاظا على غبطة الوقف وشروط الواقف وحقوق الموقوف عليهم.

الشركة غير الربحية: شخصية اعتبارية مستقلة، في إطار نظام الشركات السعودي 2023. وللشركة غير الربحية صورتان، شركة غير ربحية عامة وينطبق عليها حصرا نظام الشركة المساهمة، وتصرف أرباحها حصرا في خدمة المجتمع بعمومه، وتحدد وزارة التجارة تلك المصارف بالتنسيق مع المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. وشركة غير ربحية خاصة ينطبق عليها نظام الشركات المساهمة، أو المساهمة المبسطة، أو المحدودة، وتصرف أرباحها في أي من المصارف والمجالات غير الربحية. ما هي العلاقة بين الوقف والشركة غير الربحية؟ سؤال يفرض نفسه أمام مسألة الاختيار بين مبدأ الوقف، أو الشركة غير الربحية. وفيما يلي بعض جوانب المقارنة بينهما:

  1. يستلزم إثبات الوقف، حبس المال، بمنع توريثه، أو هبته، أو التصرف فيه إلا باستبداله بما هو أصلح لبقاء الأصل ودوام المنفعة، ونقل الملكية إلى حكم ملك الله تعالى (ملكية وقفية)، كما يستلزم توزيع المنافع لوجه الله تعالى على من يحدده الواقف، وتعيين ناظر أو مدير للوقف. أما في الشركة غير الربحية فإنها شركة في ملكية الأصول المالية التي تبقى لأصحابها، ولا تنتقل لغيرهم، وتعمل على أساس تبرع الشركاء بأرباحها، وتعود لهم ملكية الأصول عند التصفية، ويتم توارثها، وهبتها وغير ذلك من التصرفات النظامية للمالكين لها.
  2. تشرف وزارة التجارة على الشركة غير الربحية مباشرة، وبالتعاون مع المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي. بينما الوقف، تثبته الجهات الشرعية العدلية، وتسجله وتشرف عليه الهيئة العامة للأوقاف، وإذا أصدر الوقف سجلات تجارية، أو تملك مؤسسات أو شركات، فإن وزارة التجارة، هي الجهة المنظمة والمشرفة.
  3. عند تصفية الشركة غير الربحية تؤول صافي أصولها إلى الشركاء المالكين لها. أما الأصول الموقوفة، فتبقى محبوسة على أغراضها التي حددها الواقف، وإن طرأ على هذه الأصول شيء من النزع أو انتهاء الأغراض، تستبدل بغيرها مما يحقق مصلحة ومقاصد الوقف.

  مما سبق من جوانب المقارنة، يمكنني القول إن الشركة غير الربحية، نموذج صالح لتحقيق بعض الأغراض الخيرية، ويوفر مدخلا مهما لبعض رجال الأعمال، الذين لا يرغبون في التنازل عن ملكياتهم.  في مقابل ذلك يوفر الوقف الاستدامة المصحوبة بنقل الملكية إلى ملكية وقفية تتميز بحماية عدلية، واستقرار قواعدها الشرعية، مما يوفر تميزا لا يتوفر لغير الوقف، إضافة إلى تمكين الوقف من ممارسة العمل التجاري وغيره ملتزما بأحكام الشريعة الإسلامية. والوقف يتميز بارتباطه العميق بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأصحابه رضي الله عنهم، مما يوفر الحافز العظيم، للقيام بوقف الأموال لابتغاء الأجر من الله تعالى، ودفعها للاستثمار طويل الأجل لإنتاج المنافع، مما يعتبر من أهم عوامل التنمية الاقتصادية.  ويوفر الوقف، الثقة في خضوع الوقف لأحكام الشريعة، في الإنشاء والأغراض، والإدارة، والتنمية والاستثمار، وقيام الجهة العدلية الشرعية المختصة بمسؤولية الإثبات والحماية، والتحقق من تطبيق الأحكام الشرعية في ممارسة الوقف لكل أعمال التجارة والصناعة وغيرها مما يجوز شرعا ونظاما. والله ولي التوفيق والعون.